وزير المالية السعودي: نسعى لتجنب فخّ وسنقيّم أولويات الإنفاق الحكومي

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

أكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أن المملكة تعتزم إجراء "تقييم دقيق" لأولوياتها في الإنفاق الحكومي، وذلك في ضوء التراجع الحاد في عائدات النفط الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد السعودي منذ عقود، في خطوة تعكس توجهًا استراتيجيًّا لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة. وفي مقابلة نشرتها صحيفة "فاينانشال تايمز"، اليوم الخميس، شدد الجدعان على أن الرياض ستحافظ على وتيرة الإنفاق الحالية، على الرغم من اتساع العجز في كل من الموازنة العامة والحساب الجاري، فضلاً عن ارتفاع مستويات الدين العام.

الأولوية للنمو على حساب التوازن المالي المؤقت

وأوضح الجدعان أن الحكومة لا تشعر بالقلق من عجز يراوح بين 3% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، ما دام هذا الإنفاق يدعم النمو غير النفطي، الذي يُعد أحد الأهداف الجوهرية ضمن رؤية السعودية 2030، الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على النفط مصدراً رئيسياً للإيرادات. وأكد أن المملكة تسعى لتجنّب ما وصفه بـ"فخ الازدهار والكساد"، وذلك عبر انتهاج سياسات مالية مضادة للدورات الاقتصادية، والتركيز على تحفيز النمو والتنمية طويلة الأجل بدلاً من السعي لتحقيق توازن مالي قصير الأمد.

وأشار الجدعان في وقت سابق، إلى أن الاستثمار الخاص يمثل ركيزة أساسية في أي اقتصاد، وأن زيادة مساهمته بوصفه نسبة من الناتج المحلي عادة ما يستغرق عقودًا، إلا أن المملكة نجحت في رفع هذه النسبة من 16% إلى نحو 23%، ما يمثل نموًّا يتجاوز 50%، واصفًا هذا التحول بأنه استثمار طويل الأجل في تكوين رأس المال، وله تأثيرات هيكلية كبيرة.

استراتيجية التكرير: سلاح ضد تقلبات السوق

وفي ظل استمرار انخفاض أسعار النفط، وعدم وضوح الرؤية بشأن مستقبل الطلب العالمي، بدأت السعودية بتوسيع عمليات تكرير النفط للاستفادة من الهوامش المرتفعة، في محاولة لتعويض الانخفاض في عائدات تصدير الخام. وتُعد هذه الاستراتيجية أداة فعالة في مواجهة تقلبات السوق وحرب الأسعار المحتملة. وتعزيز قدرات التكرير يمنح المملكة مرونة أكبر في التعامل مع المتغيرات العالمية، كما يدعم جهودها لإعادة تشكيل الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد المطلق على صادرات الخام، ويزيد من قيمتها المضافة في سلسلة إنتاج الطاقة.

مؤشرات إيجابية للبطالة وتمكين المرأة

خلال جلسة حوارية ضمن منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، كشف الجدعان أن معدلات البطالة في المملكة سجلت أدنى مستوياتها تاريخيًّا عند 3.5% خلال الربع الماضي، فيما بلغت نسبة البطالة بين المواطنين السعوديين 7%، وهو المستوى المستهدف ضمن رؤية 2030. وأكد أن تمكين المرأة السعودية كان له أثر كبير في هذا التحول، حيث ارتفعت نسبة مشاركتها في سوق العمل من 17% إلى 36%، واصفًا هذا التطور بأنه "تحول هيكلي حقيقي" يعكس مدى التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها المملكة.

وتواجه السعودية تحديات اقتصادية متعددة في ظل استمرار التذبذب في أسواق الطاقة، وعلى الرغم من محاولاتها تنمية قطاعات بديلة كالسياحة والتكنولوجيا والصناعات التحويلية، يبقى النفط المصدر الرئيسي للدخل. ومع ذلك، تستمر المملكة في تمويل مشاريعها العملاقة مثل "نيوم" و"القدية" وبرامج التحول الرقمي، ما يتطلب سياسة مالية مرنة تراعي الاستدامة والتنمية في آنٍ واحد.

وتراهن السعودية على أن الاستمرار في الإنفاق التنموي هو السبيل إلى الحفاظ على زخم النمو، وجذب الاستثمارات الأجنبية رغم الضغوط المالية والتحديات الإقليمية والدولية. كما أن قدرتها على الاستدانة بشروط ميسرة، وامتلاكها احتياطات مالية كافية، يمنحها مساحة للمناورة في مواجهة أزمات السوق وتقلباته. وتعكس تصريحات وزير المالية السعودي مزيجًا من الحذر والثقة في التعامل مع التحديات الاقتصادية الراهنة. وبينما تتراجع أسعار النفط ويتسع العجز، تُصر المملكة على المضي قدمًا في تنفيذ رؤيتها الاقتصادية، مدفوعةً بقناعة أن الاستثمار في المستقبل هو السبيل الوحيد للنجاة من تقلبات الحاضر.

(رويترز، العربي الجديد)

Read Entire Article