إسرائيل وحرب التفكيك الداخلي

6 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

منذ تأسيسها، اعتمدت إسرائيل على جملة من السياسات المعقدة لاستهداف الفلسطينيين، تجاوزت فيها حدود القوة العسكرية المباشرة، لتتغلغل في البنية الداخلية للمجتمع الفلسطيني عبر أدوات الفوضى والانقسام. هذه الاستراتيجية لا تتجلى فقط في الاحتلال الميداني، بل تتعمق في محاولة تقويض وحدة الشعب الفلسطيني من الداخل.

أحد أبرز أوجه هذه السياسة يتمثل في دعم وتغذية جماعات مسلحة وأخرى غير مسلحة، تعمل على إثارة الفتن والصراعات الداخلية، ما يؤدي إلى تقويض الصف الوطني وتمزيق النسيج الاجتماعي. وغالبًا ما ترتبط هذه الجماعات بشكل مباشر أو غير مباشر بأجهزة أمنية أو مصالح خارجية تخدم مشروع الاحتلال.

وسائل التواصل الاجتماعي ساحة جديدة للحرب، تُستغل لنشر الشائعات وتأجيج التوترات وزرع الشكوك بين الفلسطينيين باسم الحرية والرأي الآخر

في الضفة الغربية وقطاع غزة، باتت مظاهر الانقسام أكثر وضوحًا، مع تصاعد أنشطة مجموعات تتستر خلف شعارات متعددة، لكنها تشترك في هدف واحد: زعزعة الاستقرار وتفكيك وحدة الموقف الوطني. وجود هذه المجموعات يعمق الخلافات، ويفتح الطريق أمام إسرائيل لترسيخ هيمنتها وتوسيع نفوذها.

ولا يقتصر الدور الإسرائيلي على الجانب الأمني، بل يمتد إلى أدوات ناعمة مثل الإعلام والتعليم، إذ يجري الترويج لخطابات تُفرغ النضال الفلسطيني من مضمونه، وتساوي بين الضحية والجلاد، مما يؤدي إلى تشويش الوعي الجمعي وتشتيت البوصلة الوطنية.

وتُعد وسائل التواصل الاجتماعي ساحة جديدة لهذه الحرب، إذ تُستغل لنشر الشائعات، وتأجيج التوترات، وزرع الشكوك بين الفلسطينيين. فباسم "الحرية" و"الرأي الآخر"، يجري بث رسائل تُفرغ الهوية الوطنية من محتواها، وتُحول التناقض مع الاحتلال إلى خلاف داخلي.

في ظل غياب استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة هذا النوع من الحروب، ومع تراجع أداء المؤسسات الوطنية وضعف الخطاب الجامع، تتعزز قدرة الاحتلال على اختراق المجتمع الفلسطيني والتأثير في اتجاهاته.

إن التصدي لهذه السياسات لا يكون إلا من خلال وحدة وطنية حقيقية، تعيد بناء الثقة بين مكونات المجتمع، وتُفعل أدوات المحاسبة بحق من يسهم في نشر الفوضى أو يخدم أجندات مشبوهة. كما يجب أن يلعب القضاء والمجتمع المدني دورًا محوريًا في تحصين الجبهة الداخلية.

في النهاية، الأخطر في هذه الحرب ليس فقط ما تفعله من تمزيق داخلي، بل ما تزرعه من وهم بأن الاحتلال أكثر استقرارًا من الانقسام. ولكن، بإرادة موحدة وتمسك بالمشروع الوطني، يمكن للفلسطينيين إفشال هذه المخططات، واستعادة زمام المبادرة، وبناء مجتمع مقاوم ومتماسك في وجه كل محاولات التفكيك والترويض.

Read Entire Article