ARTICLE AD BOX
بدأت الصين تتقدم بخطى ثابتة نحو ريادة مجال "الروبوتات البشرية"، مُستندة إلى تجارب متسارعة ودعم حكومي واسع النطاق. فقد قدّمت شركة ناشئة صينية تُدعى "إنجين إيه آي" (Engine-AI) قبل بضعة أسابيع عرضاً لروبوت يشبه البشر، يقلّد خطوات راقصة أدّتها شابة أمامه، وتمكّن خلال أيام من إتقان رقصة "Axe Gang" الشهيرة. وبينما قد يبدو هذا العرض ترفيهياً للوهلة الأولى، إلا أنه يعكس قفزة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي المتكامل في الروبوتات.
وبعد سنوات من هيمنة شركات أميركية كـ"بوسطن ديناميكس" على هذا القطاع، يبدو أنّ الصين باتت تزاحم بقوة لتقود هذا المجال خلال العقد المقبل. ففي إبريل/ نيسان الماضي، استضافت بكين أول نصف ماراثون لروبوتات بشرية شارك فيه 21 روبوتاً، فيما نظّمت شركة "يونيتري روبوتيكس" (Unitree Robotics)، في مايو/ أيار الحالي، أول بطولة ملاكمة بين روبوتات، ورغم أنّ 15 من أصل 21 روبوتاً فشلت في إنهاء سباق الماراثون، إلا أنّ الفكرة لا تكمن في الكمال، بل في التقدّم، كما يرى مختصون، وفقاً لما ذكرته وكالة بلومبيرغ، اليوم السبت.
الصين، التي تملك بالفعل أعلى كثافة روبوتات في خطوط الإنتاج مقارنة بالولايات المتحدة واليابان، تعمل على نقل هذه التكنولوجيا إلى مجالات أكثر تعقيداً، مثل الرعاية الصحية، توصيل الأدوية في دور رعاية المسنين، الدوريات الأمنية، الإرشاد السياحي في المتاحف، وحتى الاستخدامات العسكرية، وفق تقارير محلية. وتُجري الشركات تجارب لتسخير نماذج الذكاء الاصطناعي في تعليم الروبوتات كيفية التعامل مع مهام جديدة دون الحاجة إلى برمجة دقيقة لكل موقف.
وبحسب "بلومبيرغ"، يُقدّرالرئيس التنفيذي لـ"إنجين إيه آي" تشاو تونغيانغ، أنّ هناك حالياً ما بين 50 إلى 60 شركة في الصين تعمل على تطوير الروبوتات البشرية، مستفيدة من الخبرات الصناعية العميقة والدعم الحكومي السخي، وقد تلقت شركته مئات الطلبات لشراء روبوتاتها، ما يعكس تصاعد الطلب على هذه التكنولوجيا.
الابتكار المحلي والسباق التكنولوجي العالمي
هذا التقدّم لفت انتباه الرئيس التنفيذي لشركة تسلا الأميركية إيلون ماسك، التي تطور روبوتها الخاص تحت اسم "أوبتيمس". وفي مؤتمر عبر الهاتف في إبريل/ نيسان الماضي، قال ماسك إنه يعتقد أنّ روبوتاته تتصدر المجال من حيث الأداء، لكنه أعرب عن قلقه من أنّ المراتب من 2 حتى 10 ستكون جميعها لشركات صينية. وأضاف أنه يشعر ببعض القلق من أن ترتيب الأفضلية سيكون: "تسلا" أولاً، ثم الصين تهيمن على بقية المراتب. واعتبر أن إدخال الروبوتات البشرية إلى سوق العمل قد يضاعف حجم الاقتصاد العالمي عشر مرات، واصفاً المستقبل بأنه "عالم مختلف جذرياً".
وتأتي أهمية الريادة في هذا المجال من التوقعات بأن الروبوتات البشرية ستخرج قريباً من إطار الخيال العلمي إلى الاستخدام العملي الواسع. فبحسب تقديرات "سيتي غروب"، من المتوقع أن تبلغ القيمة السوقية لقطاع الروبوتات البشرية وخدماتها حوالى 7 تريليونات دولار بحلول عام 2050، مع انتشار نحو 648 مليون روبوت بشري حول العالم.
وفي هذا السياق، أعلنت الصين أنها ستستثمر تريليون يوان (ما يعادل 138 مليار دولار) في قطاع الروبوتات والتكنولوجيا المتقدمة خلال العشرين سنة المقبلة، وهو رقم يتجاوز التزامات الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعتين. وعلى الرغم من وجود لاعبين بارزين في الغرب مثل "بوسطن ديناميكس" و"تسلا"، يرى باحثون أن النهج الصيني القائم على الرأسمالية الموجهة من الدولة يمنح البلاد أفضلية، كما حصل سابقاً في قطاعي السيارات الكهربائية والطاقة الشمسية. من جانبه، قال مدير مركز "ستميسن سنتر" في واشنطن جوليان مولر-كالير لـ"بلومبيرغ" إنّ التطورات الرقمية والتكنولوجية أصبحت قضايا جيوسياسية من الدرجة الأولى، وقد يكون النموذج الصيني أكثر قدرة على النجاح.
نحو الريادة العالمية في مجال الروبوتات
ورغم أنّ السوق لم تقلع بالكامل بعد، إلا أنّ الصين تراهن على انطلاقة قريبة، فقد أشارت دراسة حديثة صادرة عن مركز "ليد روبوت" الصيني إلى أنّ البلاد ستنتج أكثر من 10,000 روبوت بشري هذا العام؛ أي ما يعادل أكثر من نصف الإنتاج العالمي. ويأتي ذلك في توقيت حاسم، في ظل أزمة عمالة متوقعة، إذ يُتوقع أن ينخفض عدد السكان في سنّ العمل في الصين بنسبة 22% بحلول عام 2050، ويصل العجز في العمالة في قطاعات التصنيع إلى 30 مليون عامل بحلول نهاية هذا العام، وفقاً لتقارير حكومية صينية.
وقد أدى هذا الواقع إلى ازدياد استخدام الروبوتات في المصانع، حيث بلغ عدد الروبوتات في الصين 470 لكل 10,000 عامل عام 2023، متجاوزة ألمانيا واليابان، بينما بلغت النسبة في الولايات المتحدة 295 روبوتاً للعدد نفسه من العاملين، وفق الاتحاد الدولي للروبوتات. وتُوظّف الشركات الصينية الذكاء الاصطناعي لتحسين قدرة الروبوتات على "الرؤية"، والتخطيط للحركة، وتنسيق بعضها مع بعض، والتكيّف مع البيئات الجديدة.
ورغم هذه الإنجازات، لا تزال بعض الشركات الغربية تعتبر الروبوتات البشرية غير منطقية اقتصادياً في المدى القريب. وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة "إكزوتيك" (Exotec) الفرنسية رومان مولان، لا تزال الروبوتات البشرية غير مجدية اقتصادياً لمعظم الشركات في الوقت الراهن. مع ذلك، لا يبدو أن ماسك يشارك هذا الرأي، فقد قال إنّ آلافاً من روبوتات "أومتيمس" ستعمل في مصانع "تسلا" بحلول نهاية العام، مع خطط لإنتاج مليون روبوت سنوياً خلال أقل من خمس سنوات.
الروبوتات حلّاً لأزمة نقص العمالة في الصين
ومن المتوقع أن تُطرح هذه الروبوتات للبيع في عام 2027 بسعر يراوح بين 20,000 إلى 30,000 دولار. وبحسب "سيتي غروب"، فإنّ الروبوت يمكنه استرداد كلفته خلال 36 أسبوعاً فقط إذا افترض أنّ أجر العامل البشري 7.25 دولارات في الساعة، وهو الحد الأدنى في الولايات المتحدة، ما يجعل المعادلة أكثر إغراءً في الولايات ذات الأجور المرتفعة. وفيما يبدو أنّ الصين لا تنتظر تحقّق كل هذه التوقعات، فإنها تتحرك سريعاً لامتلاك زمام المبادرة في السباق نحو المستقبل الروبوتي.
وتشهد الصين توسّعاً ملحوظاً في مجال تصنيع الروبوتات الشبيهة بالبشر، والمدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك في إطار استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في قطاع التصنيع، وتقديم حلول فعالة للتحديات الاقتصادية والديمغرافية المتزايدة التي تواجهها البلاد، وعلى رأسها التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، والنقص في القوى العاملة. ويرتبط هذا التطور بإنجازات كبيرة على صعيد الذكاء الاصطناعي، أسهمت فيها شركات محلية مثل "ديبسيك"، التي تعمل على تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على التعلم الذاتي وتحليل المعطيات بشكل متقدم، ما يمكّن الروبوتات من التصرف بذكاء يشبه السلوك البشري.
وتُظهر الحكومة الصينية التزاماً غير مسبوق بدعم قطاع الروبوتات والذكاء الاصطناعي، من خلال إعانات وخطط تمويل طموحة، فقد خصصت الدولة أكثر من 20 مليار دولار لهذا القطاع في عام 2024 فقط. وتُعد مدينة شنجن نموذجاً لهذا التوجه، حيث أُطلق صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات يوان لدعم الابتكار في الذكاء الاصطناعي والروبوتات. كذلك تقدم مدن مثل ووهان إعانات مباشرة للمصنعين، تصل إلى 5 ملايين يوان لكل مصنع. وانعكست هذه الجهود في الأرقام، حيث قفزت قيمة مشتريات الصين من الروبوتات إلى 214 مليون يوان في عام 2024، مقارنة بـ4.7 ملايين يوان فقط في عام 2023، ما يعكس تسارعاً حادّاً في نمو القطاع.
رغم هذا التقدم، تبرز مخاوف محلية ودولية بشأن تأثير الروبوتات بسوق العمل الصيني، وخصوصاً في قطاع التصنيع الذي يوظف نحو 123 مليون شخص. وتأتي هذه التحركات في سياق رؤية الصين طويلة المدى للثورة الصناعية الجديدة، التي تهدف إلى تحديث أنظمة الإنتاج الصناعي والارتقاء بقدرات التصنيع نحو مستويات أكثر ذكاءً واستدامة. ومع التقدم التكنولوجي المستمر والدعم السياسي والاقتصادي الواسع، تتهيأ الصين لتكون قوة عالمية رائدة في مجال الروبوتات البشرية والذكاء الاصطناعي خلال السنوات القليلة المقبلة.
