العملة السورية الجديدة: اقتصاديون يحذرون من حذف الأصفار والتثبيت

6 days ago 4
ARTICLE AD BOX

أثار تصريح وزير المالية السوري محمد يسر برنية حول العمل على إعادة تقييم العملة السورية الحالية، وكشفه عن عملية إصدار عملة سورية جديدة قريبًا، الكثير من التساؤلات والآراء الاقتصادية المتحفظة على هذا المقترح، خوفاً من أن يسبب هذا الإجراء هزات اقتصادية واجتماعية سلبية. وبعض المحللين دعوا إلى حذف الأصفار من العملة وإعادة طباعة عملة جديدة (نيوليرة)، وضخ عملة محلية بلاستيكية، إلا أن هذه الآراء لاقت انتقادات عديدة على اعتبارها مجرد اقتراحات غير مجدية في الفترة الحالية، تُنهك الاقتصاد، خاصة بعد أن كشف مصدر في مصرف سورية المركزي عن تكلفة طباعة القطعة النقدية بنحو 20 سنتيم، ما يعني أن تكلفتها تتجاوز قيمة العملة نفسها.

الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش رأى عدم وجود أي مبرر موضوعي لإلغاء أصفار من العملة الحالية، كما أنه من غير المجدي طباعة عملة جديدة في الظروف الراهنة، فالتغيير لأجل التغيير لا يجوز أن يكون هدفًا للسياسة النقدية حاليًا. وأشار عياش في تصريحه لـ"لعربي الجديد" إلى أنه يجب ملاحظة التعقيدات وآثار حذف الأصفار، إذ إن ذلك يتطلب تغيير العملة وطباعة عملة جديدة، ما يفرض تكاليف كبيرة ويسبب تعقيدات كثيرة قد تؤدي إلى اضطرابات مالية البلاد بغنى عنها في المرحلة الحالية، لا سيما أن هكذا إجراء في الظروف الراهنة لن يساعد على تحسين قيمة الليرة.

وأضاف: "ما يؤكد تحليلي التصريحات المنقولة عن مصدر مسؤول في مصرف سورية المركزي، والتي تشير إلى إمكانية تغيير شكل العملة وليس قيمتها، وكذلك الإشارة إلى كلفة طباعة العملة الجديدة الباهظة، والتي تفوق قيمة العملة ذاتها، وبالتالي هي عملية غير مجدية اقتصادياً في الوقت الراهن". وأوضح عياش أنه من حيث المبدأ يتم اللجوء إلى العديد من الأساليب والتقنيات في السياسة النقدية لمعالجة المشكلات الاقتصادية، لا سيما مشكلة التضخم، والذي يُعبر عنه بارتفاع مستمر في الأسعار مع تراجع القدرة الشرائية للدخل وتراجع القوة الشرائية للعملة المحلية، فمن أحد مظاهره السلبية هي الحاجة لكميات أكبر من النقود للحصول على نفس السلعة.

فقد وصلت معدلات التضخم في بعض البلدان إلى مستوى قياسي لدرجة فقدان العملة المحلية لكامل قوتها الشرائية، وبالتالي تخلي المواطنين عنها، كما في فنزويلا، وكذلك في ألمانيا أواخر الحرب العالمية الثانية. وفي بعض الدول يستلزم نقل العملة بالعربات لشراء سلع استهلاكية يومية بسيطة، كما في زيمبابوي مثلًا. وقد واجهت بعض الدول هذا المظهر للتضخم من خلال إعادة طباعة عملتها مع تغيير في قيمتها الاسمية من خلال حذف عدة أصفار من قيمتها.

قصة حذف الأصفار من العملة السورية

وشرح عياش أنه تلجأ الدول إلى حذف الأصفار عندما تعاني التضخم المفرط، إذ تفقد العملة قيمتها بسرعة، ويصبح من الصعب التعامل مع الأرقام الكبيرة، إضافة إلى انخفاض الثقة بالعملة بسبب الأزمات الاقتصادية أو السياسات النقدية السيئة، وتبسيط العمليات المالية، فتصبح التعاملات اليومية، والمحاسبة، وإعداد التقارير المالية أكثر سهولة. وأشار إلى أنه يجب التأكيد أن هذا الإجراء يكون شكليًا وقاصرًا ما لم يترافق مع عمليات إصلاح بنيوية في الاقتصاد الوطني تساعد على زيادة معدلات التشغيل والإنتاج والتصدير وتنمية السوق المحلي بما يساعد في تحسين توازنات ميزان المدفوعات والميزان التجاري وأسعار الصرف، وبالتالي تحسين القوة الشرائية للعملة المحلية وزيادة القدرة الشرائية للدخل ونمو الطلب بالتزامن مع نمو العرض السلعي والخدمي المتاح، وسيكون إجراء كهذا بمثابة عملية تجميلية تساعد في تخفيف أحد مظاهر التضخم وتسهيل التداول فقط.

ورأى أن من شروط نجاح حذف الأصفار أن يكون الاقتصاد قد تعافى فعلًا وليس مجرد تغيير شكلي، إضافة إلى السيطرة على التضخم حتى لا تفقد العملة قيمتها مجددًا، كما يجب اعتماد سياسات اقتصادية داعمة مثل تحسين الإنتاجية وتعزيز الثقة في النظام المصرفي، فضلاً عن وجود إدارة ناجحة لتغيير العملة لمنع التلاعب بالأسعار وخلق حالة من الفوضى المالية. وبالتطبيق على واقع سورية الحالي الذي يعاني من معدلات التضخم المرتفعة، رأى عياش أنه يمكن الاعتماد على بدائل أكثر جدوى، منها معالجة حالة الركود الاقتصادي أكثر من معالجة مظاهر التضخم، لأن معالجة الركود كفيلة بضبط معدلات التضخم. كما يمكن الاعتماد على بدائل أكثر جدوى للاقتصاد في المرحلة الراهنة، وهي ترسيخ الدفع الإلكتروني في مختلف المجالات، ما يساهم بمعالجة مظاهر التضخم المتعلقة بالتداول النقدي.

تحديات تثبيت الليرة

وفي ما يتعلق بالطروحات المتعلقة بإصدار عملة بلاستيكية، أكد عياش أن هذا الطرح سابق لأوانه، فهو يتعلق بشكل العملة وموادها وطباعتها، وليس بقيمتها أو دورها، ولذلك هي لا تُساهم في معالجة المشكلات النقدية الناتجة عن التضخم، فهي جانب فني تقني يمكن مناقشته عندما يتخذ المركزي قرار طباعة عملة سورية جديدة. إذ إن العملة البلاستيكية تتمتع بالعديد من المزايا التي تتفوق بها على العملات الموجودة حاليًا، فالقوة والمرونة والمتانة والسماكة والأمان والمقاومة والبيئة والاستدامة والعمر الافتراضي وحتى الكلفة، فهي تُصنع من البوليمرات وليس من القطن أو الكتان.

ولكنها ما زالت محدودة الانتشار، إذ تشكل قرابة 3% فقط من حجم التداول العالمي، وأول من استعملها هي أستراليا في تسعينيات القرن الماضي، وحاليًا تستخدمها قرابة 45 دولة، وعربيًا نجد السعودية ومصر مؤخرًا. من جهته، أكد الخبير الاقتصادي جورج خزام لـ"العربي الجديد" أنه من غير الممكن طباعة أوراق نقدية جديدة بقيمة افتتاحية ثابتة معادلة لها بالدولار، وذلك بسبب أن التثبيت القسري للقوة الشرائية لليرة السورية من خلال ربطها بمعادل ثابت بالدولار يعني التزام المصرف المركزي دائمًا باستبدال النيو ليرة بقيمة ثابتة بالدولار، وهذا غير ممكن لأنه يحتاج إلى احتياطيات كبيرة من الدولار.

كما أن تداول النيو ليرة بقوتها الشرائية الحقيقية مهما كانت، والتي يتم تحديدها من خلال قوانين السوق الحرة التي يحكمها التوازن بين القوى المؤثرة بالسوق، وهي العرض والطلب على الدولار، بالإضافة لحجم الإنتاج والصادرات والمستوردات وحجم البطالة، هو تداول أفضل بكثير من تداول النيو ليرة بقيمة وهمية مرتفعة لا تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي ولا تعكس حقيقة القوة الشرائية للنيو ليرة. ورأى خزام أن تثبيت القوة الشرائية المرتفعة للنيو ليرة يعني زيادة تكاليف الإنتاج الوطني عند تقييم التكلفة بالدولار، وبالتالي تصبح المستوردات منافسة للمنتج الوطني، وتصبح الصادرات غير منافسة بالسعر في الأسواق الخارجية، كما أن حذف صفرين من العملة هو الوسيلة الوحيدة التي من خلالها يمكن استبدال المدخرات بالليرة من المواطنين.

Read Entire Article