ARTICLE AD BOX
حالت التجاوزات الفاضحة التي شهدتها عمليات الفرز في طرابلس شمالي لبنان، والأحداث الأمنية التي ترافقت معها، دون إعلان النتائج الرسمية للجولة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الشمال وعكار، وسط مطالبات بدأت تخرج لإعادة إجراء الاستحقاق في المدينة.
وبعكس عمليات الفرز السريعة التي شهدتها غالبية الأقضية في الشمال وعكار، بعد إقفال صناديق الاقتراع، مساء الأحد، وكرّست من جديد النمط السياسي العائلي التقليدي، تأخر إعلان النتائج في مدينة طرابلس، حيث نسبة الإقبال الأقلّ للاقتراع، وذلك في ظلّ التجاوزات والمخالفات التي سُجِّلت، وانسحبت على منع الصحافيين من مواكبة العملية، خصوصاً مع بدء تسريب الأرقام الأولية، التي أظهرت تقدّماً لافتاً للائحة المدعومة من المجتمع المدني، وخروقات ممكن أن تحصل في المقاعد البلدية، وذلك على حساب لائحة السياسيين المدعومة من النواب أشرف ريفي وفيصل كرامي وكريم كبارة وطه ناجي.
وأحدث التأخير في إعلان النتائج موجة اعتصامات غاضبة في المدينة، ما دفع وزيري الداخلية أحمد الحجار والعدل عادل نصار، للتوجه إلى طرابلس لمواكبة صدور النتائج، في حين واكب رئيس الوزراء نواف سلام الوضع، وشدد على "ضمان نزاهة العملية الانتخابية، ومنع حصول أي مخالفة"، داعياً المتظاهرين إلى ضبط النفس وإلى الثقة بأن الحكومة لن تتهاون مع أي عملية تلاعب أو تزوير.
في الإطار، طالبت "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات – لادي"، اليوم الثلاثاء، بإعادة إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مدينة طرابلس، بعد مرور يومين على انتهاء عملية الاقتراع من دون صدور نتائج رسمية حتى اللحظة، فضلاً عن شكاوى بالجملة من حصول تجاوزات فاضحة برزت خلال عمليات الفرز، ما تطلّب إعادة الفرز في الكثير من الصناديق، وهو ما يثير شكوكاً جدية حول سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها.
وقالت "لادي"، في بيان لها، إنها رصدت أنّ المسار الانتخابي في طرابلس بدأ بشكل خاطئ وغير عادل حتى قبل يوم الاقتراع، حين امتنع عدد من المسؤولين الإداريين المباشرين عن منح التصاريح اللازمة لمندوبي بعض اللوائح المتنافسة، ما حال دون قدرتهم على مواكبة العملية الانتخابية ومراقبة عمليات الفرز داخل الأقلام ولجان القيد، في مخالفة واضحة لمبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص. ومع بدء مراجعة مجريات الاقتراع، بدأت تتكشف أخطاء إضافية تعزز المخاوف من وجود تجاوزات لم يُكشف عنها بعد، وهو ما يعزز الشكوك المحيطة بمصداقية العملية برمتها.
وسجَّلت الانتخابات في محافظتي الشمال اللبناني وعكار، أكبر نسبة شكاوى وإشكالات ورشاوى، مقارنة مع محافظة جبل لبنان، بحسب وزارة الداخلية اللبنانية، بحيث بلغ إجمالي عدد الشكاوى والمراجعات 675، معظمها ذات طابع إداري (560)، وأمني (50)، وإعلامي (65)، أما الأحداث الأمنية فبلغت حوالي 143، وحوالي 120 إشكالاً وتضارباً. كما تدخلت القوى الأمنية، وأوقفت 7 أشخاص، كما رافق إعلان النتائج إطلاق نار كثيف، سقط نتيجته عدد من المصابين، بينهم الإعلامية اللبنانية ندى أندراوس عزيز، وعلى أثر ذلك جرى توقيف 34 شخصاً من مطلقي النار.
وعلى الرغم من أن طابع الانتخابات هو إنمائي وعائلي أكثر منه سياسي، بيد أن الأحزاب التقليدية تدخلت في الاستحقاق، وعملت على شدّ العصب الشعبي، بهدف حماية رعيتها والحفاظ على نفوذها ووجودها، وذلك في امتحان لها قبيل الانتخابات النيابية المرتقبة في مايو/ أيار 2026، حيث جرت معارك سياسية خصوصاً بين القوى المسيحية على صعيد قضاءي البترون وزغرتا بالدرجة الأولى، وإن اختارت الأحزاب التقليدية التوافق في بعض اللوائح، أبرزها في مدينة البترون، بحيث إنّ الهدف الأساسي بالنسبة إليها يكمن بالفوز برئاسة اتحادات البلديات، كما كان لبعض البلدات في عكار حصتها من المعارك، إلى جانب طرابلس.
قراءة في نتائج انتخابات الشمال وعكار
وفي قراءة لنتائج الانتخابات، حقق حزب القوات اللبنانية (يرأسه سمير جعجع)، تقدماً لافتاً في البلدات ذات الغالبية المسيحية، بخوضه تحالفاتٍ مدروسة، منها مع حزب الكتائب اللبنانية (برئاسة النائب سامي الجميل)، ومجد حرب (نجل النائب السابق بطرس حرب)، علماً أنّه نزل في لائحة البترون إلى جانب أيضاً التيار الوطني الحر (برئاسة النائب جبران باسيل) وقد فازت بكل أعضائها. ونجحت الأحزاب التقليدية في الحفاظ على مواقعها ومعاقلها الأساسية خصوصاً لناحية "القوات" على صعيد مدينة بشري، وزغرتا لصالح "تيار المردة" بزعامة سليمان فرنجية، بينما تفاوتت النتائج على صعيد الأقضية ككل ذات الوجود المسيحي.
وفي محافظة عكار، دخلت الأحزاب التقليدية على الساحة محاولة استمالة العائلات إليها، وكان العمل على إثبات الحضور، لا سيما لناحية التيار الوطني الحر، الذي حرص رئيسه باسيل على القيام بجولة قبيل الانتخابات شملت بلدة رحبة، لشدّ العصب المسيحي، وقد نجح بالفوز فيها إلى جانب عدد من البلدات، في حين اشتدت الرسائل السياسية في بلدة فنيدق، خصوصاً من جانب النائب وليد البعريني، (كان سابقاً في تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري)، الذي أعلن بأنه يخوض هذه المعركة شخصياً، وإيلائه الملف البلدي أهمية قصوى. وقد تمكن من تحقيق فوز فيها، إلى جانب عدد من البلدات منها حلبا وببنين، في حين كان التوافق المسيحي سيد المشهد في بلدة القبيات جامعاً كذلك الأضداد.
في الإطار، قال السياسي والناشط الاجتماعي خلدون الشريف لـ"العربي الجديد"، إنّ "العملية الانتخابية في طرابلس لم تكن ذات طابع سياسي على الإطلاق، بحيث غابت العناوين السياسية، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في عدد المرشحين، وبما أن العناوين السياسية قد غابت فإن الماكينات السياسية غابت بدورها، وهي التي عادة ما تشكل رافعة لتحفيز الناس للانتخاب من جهة والتصويب للتصويت نحو لائحة كاملة، الأمر الذي لا يؤدي إلى فوز لائحة بالكامل".
واعتبر الشريف أن "التحالفات دائماً ما تكون هجينة، وهنا أعيد التذكير بالتحالف الرباعي عام 2005 بين الثنائي حزب الله وحركة أمل وتيار المستقبل والقوات الانتخابية، وهو ما نراه اليوم كما في بيروت"، مضيفاً أن تلك التحالفات "مرتبطة بمنطق الفوز"، ولافتاً إلى أن النتائج كلها متوقعة.
من جانبه، قال الناشط السياسي جهاد فرح لـ"العربي الجديد"، إن "القوات اللبنانية حققت ميني تسونامي (صغير) في أغلب القرى والبلدات في قضاءي الكورة والبترون، وأقامت تحالفات فيهما متنوعة، آخذة بعين الاعتبار طبيعة كل قرية، وتمكنت من الفوز في أغلب اللوائح"، لافتاً إلى أن "أقوى المعارك كانت في شكا، حيث كسرت هيمنة امتدت منذ عام 1998، فكان التحالف العريض بين القوات والكتائب ومجد حرب ومجتمع مدني ومجموعات بوجه لائحة مدعومة من التيار الوطني الحر، تحت عنوان كسر هذه الهيمنة، وكانت هنا النتيجة مفاجأة، باعتبار أن الحديث كان عن خروقات قد تحصل لكن النتيجة أتت بالفوز الكامل باللائحة".
وأضاف فرح "في زغرتا غابت المعركة الحقيقية، وقد فاز فرنجية فيها، بينما في بشري وضعت القوات ثقلها كله لمنع أي خرق ونجحت بذلك"، مشيراً إلى أن "المشهد اليوم بات واضحاً بحيث إن القوة الأساسية في أغلب الأقضية الأربعة، كانت للقوات التي تمكنت من إقامة شبكة تحالفات قوية، وأظهرت إمكانات تنظيمية ولوجستية ومالية هائلة".
في المقابل، يأسف فرح لغياب المجتمع المدني "الذي كان متضعضعاً ولم يتمكن من تنظيم أموره لخوض الانتخابات، بأغلب الأقضية، باستثناء بشري، حيث شكلت لائحة متكاملة عصبها ناشطون ومستقلون وتغييريون، ووصلت إلى حدود 44%، لكن بشكل عام غابت لوائحه الكاملة، بعكس اندفاعة الأفراد إلى الترشح. أما التيار فقد تراجع بشكل لافت علماً أن المتابعة التفصيلية للأرقام ستظهر أكثر الأصوات وكيفية توزعها". ويرى فرح أن "ما يحصل اليوم هو بروفة للانتخابات النيابية، وستنعكس مفاعيلها بالمباشر على الاستحقاق المرتقب في مايو/ أيار 2026، خصوصاً على المستوى التنظيمي واللوجستي والانخراط في العملية الانتخابية".