انتخابات بلدية بيروت: معركة مفتوحة على جميع الاحتمالات

6 days ago 3
ARTICLE AD BOX

تشهد بيروت، اليوم الأحد، معركة انتخابية طاحنة على مقلبي أحزاب السلطة والقوى المدنية والتغييرية، قد يكون "التشطيب" عنوانها الأبرز، وذلك في الجولة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية التي تُضاف إليها محافظتا البقاع وبعلبك الهرمل، قبل اختتام الاستحقاق يوم السبت المقبل في الجنوب والنبطية. ويتنافس على مجلس بلدية بيروت المؤلف من 24 عضواً، ستّ لوائح، تتصدّر مشهديّتها لائحة "بيروت تجمعنا" التي تضمّ طيفاً واسعاً من الأحزاب التقليدية والقوى السياسية المتناقضة، منها حزب القوات اللبنانية (برئاسة سمير جعجع) والتيار الوطني الحر (برئاسة النائب جبران باسيل) وحزب الله وحركة أمل (برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري) وجمعية المشاريع والحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة رئيسه السابق وليد جنبلاط)، كما الوزير السابق محمد شقير والنائب فؤاد مخزومي، مع تأييد مطران بيروت للروم الأرثوذكس إلياس عودة وأطراف أخرى، بينها الأرمنية، التي اتحدت كلها بذريعة حماية المناصفة المسيحية – الإسلامية التي كرّسها الرئيس الراحل رفيق الحريري عرفاً في تسعينيات القرن الماضي، ومن ثم نجله سعد المنكفئ اليوم عن خوض الاستحقاق.

ويطرح ملف المناصفة في بلدية بيروت نفسه، لا سيما بعد الانتخابات البلدية في طرابلس الأحد الماضي، التي أظهرت نتائجها حملة تشطيب استهدفت المترشحين المسيحيين في كل اللوائح، ما أدى إلى إقصاء المكون المسيحي من المجلس البلدي. وتنافس لائحة السلطة بشكل أساسي لائحة "بيروت بتحبّك" المدعومة من النائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية، والتي تملك حظوظاً في إحداث خرق في المقاعد الـ24 التي من المرتقب ألا تؤول كلها للائحة واحدة، على غرار ما حصل في مدينة طرابلس.

جورج شاهين: التشطيب في انتخابات بلدية بيروت سيفرز مجلساً هجيناً

كذلك، تتجه الأنظار إلى لائحة "بيروت مدينتي" المدعومة من نواب تغييريين ومجموعات مدنية مستقلّة، والتي حققت نتائج لافتة في انتخابات عام 2022 النيابية، وتسعى لكسر نمط المحاصصة، وتقديم رؤية إصلاحية، إنمائية، تتجاوز الزبائنية، ولاسترجاع دور العاصمة الريادي منارةً للشرق. علماً أن معركتها لن تكون سهلة بوجه القوى التقليدية التي تلعب على وتيرة المخاوف الطائفية، وزاد منسوبها خصوصاً عقب النتائج التي تحققت في مدينة طرابلس، بعد فوضى كبرى شهدتها عملية فرز الأصوات، وقد أقصت المكوّن المسيحي من المجلس البلدي. وتتمتع اللوائح الأخرى، التي تضم أسماء من مجموعات مدنية ومستقلة واجتماعية، بحظوظ أيضاً في انتخابات بلدية بيروت وإن كانت خجولة، وذلك في حال اتبع أسلوب التشطيب، ما من شأنه أن يوزع الأصوات ويشتتها، الأمر الذي يُبقي المعركة محتدمة حتى لحظات الفرز الأخيرة، خصوصاً أنّ الصوت السُّني سيكون له الدور الأكبر فيه، بوصفه الخزان الانتخابي البيروتي، وسط شعور لدى الطائفة بالغبن على مستوى رئاسة بلدية بيروت التي تؤول اليها، بيد أن جميع الصلاحيات التنفيذية والمالية هي بيد المحافظ (أرثوذوكسي). كما أن الناخب المنتمي إلى تيار المستقبل (يرأسه سعد الحريري)، إن أقبل على الاقتراع، مستبعد أن يصبّ في صالح الأحزاب التقليدية ومعها مخزومي الطامح الدائم للزعامة السُّنية.

جميع الاحتمالات مفتوحة على نتائج انتخابات بلدية بيروت

في الإطار، يقول الكاتب السياسي جورج شاهين، لـ"العربي الجديد"، إن التصارع على بلدية بيروت سيكون بين ثلاث لوائح كبيرة، بيد أنه من الصعب معرفة النتائج أو توقععا، خصوصاً في حال اعتماد التشطيب، ما من شأنه أن يفرز مجلساً بلدياً هجيناً، فيه الكثير من التناقضات والأضداد، الأمر الذي ستظهر انعكاساته في أول اجتماع سيعقده، وسيكون مفخخاً، وسيصب الخلاف على رئاسة البلدية. ويعتبر شاهين أن التصويت قد يكون أكثر طائفياً ومذهبياً على غرار ما حصل في طرابلس، ليكون نسخة شبيهة عن المدينة، علماً أن النتائج، ولو جرى ضرب المناصفة المسيحية الإسلامية ولم تقدم صورة حقيقية عن بيروت، فستكون قانونية وشرعية ودستورية، لأن المناصفة بدأ الحريري بتكريسها في التسعينيات، لكنها بقيت عرفاً. وبقي احتمال تأجيل الانتخابات البلدية في بيروت قائماً، خصوصاً مع مطالبة عدد من القوى السياسية، لا سيما المسيحية منها، بإدخال تعديل على قانون الانتخاب البلدي يسمح بتشكيل لوائح مقفلة، ما يضمن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، لا سيما أن الفارق كبير جداً على مستوى الأصوات التي هي بغالبيتها من الطائفة السنية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد المقاعد المسيحية ويخل بالتوازن الطائفي الذي كان مكرساً منذ سنين طويلة. بيد أن الاقتراع لم يسلك طريقه نحو الإقرار في ظل الاختلافات السياسية حوله.

خالد الحاج: تعد لائحة الأحزاب الأكثر تنظيماً ولديها فرصة لتحقيق نصر كاسح

وسبق لرئيس البرلمان نبيه بري أنّ أكد، في أكثر من تصريح، أنه يميل إلى اللوائح المقفلة لتأمين المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، خصوصاً أن "بيروت هي عاصمة لكل اللبنانيين ويجب أن تكون واجهة وحدتنا الوطنية". وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن هناك سعياً لدى حركة أمل وحزب الله لأن تصب أصوات الناخبين "المحسوبين عليهما" لصالح اللائحة المدعومة من قبلهما بالكامل، من دون حدوث تشطيب، وذلك حفاظاً على المناصفة، لا سيما بعد النتائج التي تحققت في مدينة طرابلس، وعززت المخاوف من الإخلال بالتوازن القائم الذي يتوزع على ثمانية مقاعد للطائفة السنية، ثلاثة للطائفة الشيعية، مقعد درزي واحد، أربعة للروم الأرثوذكس، اثنين للموارنة، اثنين للأرمن الأرثوذكس، ومقعد للروم الكاثوليك، ومقعد للأرمن الكاثوليك، وإنجيلي واحد، ومقعد للأقليات.

عرف المناصفة كُرس منذ التسعينيات

في السياق، يقول الباحث اللبناني خالد الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "عرف المناصفة كُرس منذ التسعينيات، علماً أنه بالأرقام، فإن عدد السنة كما الشيعة أكبر من المسيحيين، ويمكنهم بسهولة تأمين مجلس بلدي من 24 عضواً. ويلفت إلى أن الشعور باللاعدالة أو الظلم سبق أن فتح الباب للمطالبة بأن تصبح لبيروت بلديتان. كما يشير الحاج إلى أن "السنة يشعرون بالمظلومية السياسية، وهي نابعة من مقارنة دور المجلس البلدي بباقي البلديات في بعض المدن، منها جبيل والبترون". وبرأي الحاج، فإن هناك أربع لوائح أساسية تتنافس في انتخابات بلدية بيروت، تتقدمها لائحة الأحزاب التي تُعدّ الأكثر تنظيماً ولديها فرصة لتحقيق نصر كاسح، خصوصاً أن وجود حزب الله وحركة أمل فيها يعطيها دفعاً قوياً، إلى جانب أنها ضمت قوى سنية بيروتية أساسية منها الأحباش، جمعية المشاريع، وتنظيمات سنية، مع النائب فؤاد مخزومي وأسماء بيروتية، إلى جانب الأحزاب المسيحية. ويلفت إلى أن "نقطة قوة هذه اللائحة بأن لديها بلوكات أو أعضاء منظمين لديهم خبرة في تجيير الأصوات بكميات كبيرة، لكن نقطة ضعفها بأنه في حال تجاوزت نسبة التصويت عشرين في المائة، فهذا يعني أنها قد تخسر أعضاء، ولن تربح اللائحة كاملةً، من هنا، فإن عدم حماسة الناخب للتصويت ستصب في صالح أحزاب السلطة".

ويضيف الحاج: "لائحة بيروت مدينتي قوية أيضاً، لكن قاعدتها هلامية، ومن إيجابياتها أنها تمكنت من تحقيق فكر سياسي مرتبط بالتغييريين، وهذا تُرجِم في الانتخابات النيابية الماضية. ولكن في الشق الاجتماعي المرتبط ببعض النواب فيها، فإن هناك أزمة داخل بيروت وأمور سلبية تعاني منها". ويتابع: "هناك أيضاً لائحة رلى العجوز، وهي أول سيدة بيروتية تترأس لائحة، وهي تعتمد بشكل أو بآخر على جمعية المقاصد محركاً أساسياً لها، وهذه المؤسسة تُعدّ من الأقوى في بيروت، لكن تبقى على صعيد الأرقام معركتها صعبة بوجه أحزاب السلطة، علماً أنها كانت في المجلس البلدي وكانت مدعومة من الحريري". ويقول: "أما اللائحة الرابعة، فهي لائحة العميد محمود الجمل، المدعومة من الجماعة الإسلامية وتحت رعاية النائب نبيل بدر، وهي مرتبطة بشكل أو بآخر بتيار المستقبل، خصوصاً لدور الجمل داخله، وهو حقق نتائج جيدة في الانتخابات النيابية الماضية، ما يضعها في ساحة المنافسة، علماً أنها صعبة أيضاً بوجه الأحزاب". ويعتبر الحاج أن المنتصر الأول في حال فازت لائحة الأحزاب هو حزب الله الذي سيرفع شعار أنه حامي المناصفة، وكذلك تيار المستقبل الذي سيتوقف عند دوره في حماية المناصفة وبوصفه المسلم المعتدل، وهذا النفس منظم في بيروت وهنا خطورته.

Read Entire Article