ARTICLE AD BOX
في ظني، محاولة جعل ماركس يتحدث لغة حديثة شعبية وبسيطة ومفهومة للجميع ليست مهمة مستحيلة، وأجرؤ على القول إن المتسول الذي يقف على أرصفة المدن المكتظة بالناس المتخمين ويطالب بحقه: من مال الله، يفهم - على بساطته وأميته - ما أراده ماركس من ماركسيته أفضل منا نحن الذين ندعي فهم ماركس ونظريته. فأنت تستطيع الآن أن تعكف على قراءة ماركس، وستكون سعيدًا إذا فهمته. ولو عدت إلى الإرهاصات الأولى لتكوّن المنهج الماركسي في التفكير ستجد أمامك كتيب (مبادئ الشيوعية) الذي ألفه فريدريك أنجلز في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1847 كصيغة أولى لتعريف الشيوعية. وهي صيغة جميلة في أسئلة وأجوبة. يطرح أنجلز السؤال ثم يجيب. عرض هذه الصيغة على رفيق دربه فكانت أول وثيقة واضحة المعالم عن المفهوم الجديد للعالم الذي تبلور في عقل الشابّين. تمّت صياغة شكل البيان ونُشر تحت عنوان (البيان الشيوعي) بصيغته المعروفة لأول مرة في طبعة خاصة باللغة الألمانية في لندن في شهر شباط/فبراير من عام 1848. كان كارل ماركس في الثلاثين وفريدريك أنجلز في الثامنة والعشرين من العمر.
في الرابع عشر من شهر آذار/مارس من عام 1883 وعلى الساعة الثالثة إلا ربعًا ظهرًا توقف قلب ماركس عن الخفقان، فانضم حشد إلى جنازته، حشد صغير مؤلف من أحد عشر شخصًا، بمن فيهم موظف الدفن، متجهين إلى مثواه الأخير، والذي حمل أشهر عباراته والتي نقشت على لوحة القبر: الفلاسفة فسروا العالم بطرق مختلفة، ولكن المسألة تكمن في تغييره. ماركس حكيم بأشواق شرقية، عمل على تغيير العالم، لكنه أمضى الشطر الأكبر من حياته هاربًا من الشرطة، ومن الدائنين، وحول عمله الأهم، يقول: لم يكتب أحد هذا الكم من الكتابة عن المال، وهو لا يملك إلا قليلًا جدًا من المال. وحاصل بيع كتاب "رأس المال" لن يكفي لتسديد ثمن التبغ الذي دخنته وأنا أكتبه.
المتسول الذي يطالب بحقه من مال الله يفهم ما أراده ماركس من ماركسيته أفضل منا نحن الذين ندعي فهم ماركس ونظريته
وأختم برسالة ابن عمي: (بدايةً، أودّ أن أقول لك إنّني ضحكت كثيرًا حين قالوا إنّك عدت. سألت: من أين؟ بالطبع، لم يخطر في بالي جواب ميتافيزيقي. تركتهم، البعض كان سعيدًا بعودتك والبعض الآخر كان قلقًا من تلك العودة. بالنسبة إليّ، لم أشاهدك تغادر كي أصدق أمر عودتك المزعومة. ليس في الأمر استخفاف ببصر الآخرين ولا ببصيرتهم، كلّ ما في الأمر أنّني لم ألتق بآخر من أمثالك كان قادرًا أن يقنعني مثلك. في الحقيقة، عليّ أن أكون صادقًا معك. فإضافة إليك، هنالك آخرون تمكّنوا من إقناعي بهذا القدر أو ذاك. وعلى رغم بقائك الأوّل في هذه المسألة، إلّا أنني كنت أودّ أن أعرّفك إليهم.
العزيز كارل، أعلم أنّ بداية التسعينيات من القرن المنصرم كانت عصيبة عليك، لم يكن لك إلّا أن تشك في كل شيء، في نفسك ربما، وفي الآخرين حتمًا. تعلم أنّني لم أستطع أن أمدّ إليك يد المساعدة في تلك الفترة العصيبة، لأنّني، كما تعلم، كنت مشغولًا في الإعداد لفحص الشهادة الابتدائيّة. أرجو ألّا تزعل منّي، فقد كان مستقبلي على المحك. أعرف أنّك حريص على مستقبلي. وبما أنّي مؤمن حتى العمق بالمثل القائل: "الصديق وقت الضيق"، فقد جنّدت لدعمك، في تلك الفترة، شخصًا أوليه كلّ الثقة الممكنة وائتمنته على جميع أسراري، دون أن أخبره إياها! صدّقني، إنّه الشخص الذي أختاره للمهمات الصعبة في حياتي، فهو لا يضيّع البوصلة.
بالطبع، لا أقول لك هذا الكلام من باب المنّة أو التفاخر السخيفين، كل ما في الأمر أنّي أودّ أن أؤكد لك أنّي لم أتخلَّ عنك في الأوقات الصعبة. أعلم أنّ هناك بعض الخبثاء ممن همسوا في أذنك بكلام سخيف عن أنّي تخلّيت عنك. أريد أن أقول لك إنّ هؤلاء هم في الحقيقة من أنكروك بالطريقة السهلة نفسها التي من خلالها آمنوا بك. أنا لم أؤمن ولم أنكر، أنا اقتنعت وأغنيت قناعاتي! وأخيرًا كارل، أظنّ أنّك تريد أن تعرف من هو ذاك الشخص الذي حدّثتك عنه. إنّه ببساطة أبي. ذلك الشخص شبه الأمّي، الذي يكتب "شكرًا" بالنون، ذلك الشخص الشريف الذي لم ينفك يدافع عنك، ويعلن أنّك على حق، في عمله وتعامله. كنت معه. ونحن معك.