ARTICLE AD BOX
أعلنت الإدارة الأميركية السبت انطلاق "مبادرة ترامب" لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وقالت إنها تأمل أن تبدأ العملية التي "لا علاقة لإسرائيل بها"، الأسبوع القادم قبيل بدء الرئيس ترامب زيارته الخليجية. وكانت وزارة الخارجية قد أشارت الخميس الماضي إلى هذه الخطوة التي باتت "على قاب قوسين أو أدنى"، من دون الدخول في التفاصيل المتروك إعلانها كما قالت، لحين تسمية المؤسسة التي ستتولى الإشراف على توزيع المعونات. ومع أن اسم هذه المؤسسة انكشف وهو "مؤسسة غزة الخيرية" ومركزها سويسرا، إلا ان المعلومات عن العملية وموعد مباشرتها لأعمالها الفعلية ما زال محاطاً بالغموض لأن الخطة "لم ترسُ بعد" على الصيغة النهائية.
وما تردد حول هذه الخطة أن التوزيع سيحصل بـ"الانتقاء" ومن خلال مراكز موجودة "ضمن مناطق عسكرية تحتلها إسرائيل"؛ ولهذا رفضت الأمم المتحدة ومعها منظمات عاملة في مجال المساعدات الإنسانية، المشاركة في العملية. وبدت "المبادرة" رد فعل على ضيق ترامب المتزايد من نتنياهو، فيما ربطتها جهات أخرى بزيارة الرئيس ترامب للسعودية والإمارات وقطر، من باب أنه لا يصح أن يقوم الرئيس بجولة هامة في المنطقة من دون تخفيف وطأة المعاناة في القطاع. في المدة الأخيرة، لم يعد سراً في واشنطن أن أزمة الثقة والشكوك المتبادلة بين ترامب ونتنياهو، قد تفاقمت نتيجة لتصادم الحسابات والمقاربات، خصوصاً حول مفاوضات النووي الإيراني، إذ إن ترامب لا يطيق الشراكة معه في القرار، خصوصاً في قضية من هذا العيار، ولا سيما من جانب شريك يفترض فيه أن يكون "مطيعاً لا مشاكساً".
يوم الثلاثاء الماضي 6 الجاري، انفجر الاحتقان من خلال إعلان الرئيس ترامب المفاجئ لتفاهم وقف النار مع الحوثيين من دون التنسيق مع إسرائيل، ولا حتى إبلاغها، حيث كشفت الخطوة مدى تأزم العلاقة بينهما الذي عكسته تعبيرات من نوع أن ترامب "نفد صبره مع نتنياهو"، وأن الإدارة باتت "محبطة من تصرفاته ". وسط هذه الأجواء، جاءت الزيارة لترفع من منسوب التأزم، فلا يصح أن يأتي ترامب إلى المنطقة في أول زيارة خارجية له ويتطلع فيها إلى عقد اتفاقيات واستثمارات كبيرة، في وقت يواجه فيه فلسطينيو غزة خطر المجاعة المؤكدة.
مضى أكثر من شهرين على منع إسرائيل إدخال المساعدات إلى القطاع الواقع بين مطرقة حرب الآلة العسكرية وسندان حرب التجويع، وتجاهلت الإدارة الأميركية هذا الواقع برغم التحذيرات المتوالية من خطر الحصار، لكن مع اقتراب موعد الزيارة، اضطر الرئيس إلى التحرك، فكانت "المبادرة" التي بدت معطوبة قبل أن يبدأ تطبيقها. وكان الرئيس ترامب قد اعترف في 5 الجاري بأن "الناس في غزة يعانون من الجوع، ونحن قررنا المساعدة لتمكينهم من الحصول على ما يسدّ حاجاتهم"، لكنه لم يشارك في "المبادرة"، واكتفت الإدارة بالتداول في الأمر مع مجلس الأمن، عبر المبعوث ستيف ويتكوف، لكنها لم تتقدم بمشروع قرار إلى المجلس لكسر جدار الحصار. وبقي موقف الإدارة ضبابياً ولا يزال. حتى موعد البدء في التوزيع الجزئي والانتقائي للمساعدات، لم يتقرر بعد، إذ إن العملية ما زالت قيد الاستكمال.
الواضح الوحيد أن الرئيس لم يشمل إسرائيل بزيارته، مع ذلك أوفد نتنياهو وزيره المؤتمن رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية، إلى واشنطن بعد يوم من تفاهم ترامب مع الحوثيين، والتقى أركان الإدارة والرئيس ترامب، لاحتواء التوتر الذي بقي في حدوده الشخصية حتى الآن، وليس من المتوقع أن يخرج عن هذا الإطار. يساعد الرئيس في هذه المناكفة أنه يستند إلى مناخ عام يشمل الكونغرس، خصوصاً في شقه الديمقراطي، يؤيد وقف حرب التجويع في غزة، لكن الإجراء الذي اعتمده لا يعكس هذا المناخ، بل يذكِّر بخيار الجسر العائم الذي لجأ إليه الرئيس السابق جو بايدن لإدخال المعونات، بدلاً من الضغط على إسرائيل لإجبارها على فتح المعابر الحدودية، حيث انتهت المحاولة إلى الفشل الفاضح وبما اضطر الجهات المعنية إلى التراجع وتفكيك الجسر بعد أن بلغت كلفة تركيبه أكثر من 300 مليون دولار. حرقت واشنطن المبلغ حينها حتى لا تفرض البديل على إسرائيل. الجسر كان الخيار الغلط آنذاك. والصحوة المفاجئة الآن على المعونات، يبدو أنها وُلدت مشوّهة، بحيث قد تنتهي كما انتهى الجسر. ويمكن بصورة أسرع.
