كيف يؤثر العمل لساعات طويلة على بنية الدماغ والصحة العقلية؟

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

توصلت دراسة جديدة إلى أن العمل لساعات طويلة قد يؤدي إلى تغييرات في بنية الدماغ خصوصاً في المناطق المسؤولة عن تنظيم العواطف والوظائف التنفيذية، مثل الذاكرة العاملة وحل المشكلات. وتشير النتائج إلى أن الإرهاق المزمن في بيئات العمل قد لا يقتصر تأثيره على التعب الذهني فحسب، بل قد يترك بصمة ملموسة على الجهاز العصبي المركزي. ويصف مؤلفو الدراسة، التي نُشرت يوم 13 مايو/أيار في مجلة Occupational & Environmental Medicine، بأنها "خطوة أولى مهمة" لفهم العلاقة بين بيئة العمل والصحة العصبية.

يوضح المؤلف المشارك في الدراسة، جون يول تشوي، الأستاذ المساعد في قسم الهندسة الطبية الحيوية في جامعة يونسي في كوريا الجنوبية، أنه على مدى سنوات، ربطت العديد من الدراسات بين العمل المفرط وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، واضطرابات التمثيل الغذائي، والمشكلات النفسية مثل الاكتئاب والقلق.

وتُشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن الإرهاق المزمن يؤدي إلى وفاة أكثر من 800 ألف شخص سنوياً حول العالم. لكن، وعلى الرغم من هذه الأدلة المتزايدة، لم يكن من الواضح حتى الآن كيف يؤثر العمل المطول على الدماغ من الناحية الهيكلية.

ولهذا الغرض، قرّر الفريق البحثي استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي وتحليل بنية الدماغ لتحديد التغيرات العصبية المحتملة لدى العاملين في قطاع الصحة، الذين يعملون أكثر من 52 ساعة في الأسبوع، ما يُعتبر "عملاً مفرطاً" وفقاً لتعريف الباحث، في تصريحات لـ"العربي الجديد". استند الباحثون إلى بيانات من مشروع Gachon Regional Occupational Cohort Study، المعروف اختصاراً بـGROCS، الذي يتتبع تأثير ظروف العمل على الصحة. وطلب الفريق من المشاركين إجراء تصوير إضافي بالرنين المغناطيسي، ليشمل التحليل النهائي 110 أفراد، غالبيتهم من الأطباء والممارسين الصحيين. من بين هؤلاء، كان 32 شخصاً (نسبة 28%) يعملون أكثر من 52 ساعة أسبوعياً، بينما التزم الآخرون بساعات العمل القياسية.

"اللافت أن أولئك الذين عملوا لساعات أطول، كانوا في الغالب أصغر سنّاً، وذوي تعليم أعلى، وأقل خبرة مهنية من زملائهم"، يقول تشوي.

وباستخدام تقنيتين لتحليل الصور الدماغية، هما التحليل الحجمي والتحليل القائم على الأطلس الدماغي، رصد الباحثون تغييرات ملحوظة في مناطق معينة من الدماغ لدى من يعملون لساعات طويلة، مقارنة بزملائهم ذوي الجداول الأقل إجهاداً.

ويوضح المؤلف المشارك في الدراسة أن التحليل أظهر زيادة بنسبة 19% في حجم التلفيف الجبهي الأوسط لدى العاملين لساعات طويلة. وتلعب هذه المنطقة دوراً مهماً في التركيز، والذاكرة العاملة، ومعالجة اللغة، وهي جزء من الفص الجبهي المرتبط بوظائف اتخاذ القرار والتخطيط.

كما سجّلت الدراسة زيادات في مناطق أخرى، مثل التلفيف الجبهي العلوي، المسؤول عن الانتباه والتخطيط، والجزيرة الدماغية، المعروفة بدورها في الدمج بين الإشارات الحسية والحركية والعاطفية، فضلاً عن فهم السياق الاجتماعي.

"ما رصدناه من تغييرات هيكلية قد يفسر الصعوبات المعرفية والعاطفية التي يشتكي منها كثير من العاملين لساعات طويلة. ربما يكون هذا النمو العصبي نوعاً من التكيف مع الضغط المزمن، لكنه قد يكون على حساب صحة الدماغ على المدى الطويل"، يقول تشوي.

ورغم النتائج المثيرة للقلق، يشير الباحثون إلى أن هذه الدراسة لا يمكن أن تثبت وجود علاقة سببية مباشرة، نظراً إلى صغر حجم العينة واعتمادها على بيانات لحظة زمنية واحدة. ويضيف تشوي: "لا نعرف بعد ما إذا كانت هذه التغيرات ناتجة عن العمل المفرط، أم أنها سابقة له وتجعله أكثر احتمالاً. نحن بحاجة إلى دراسات طويلة وتقنيات تصوير متعددة لتحديد الآليات بدقة".

مع ذلك، يرى الباحثون أن النتائج يجب أن تكون بمثابة "جرس إنذار" لأرباب العمل وواضعي السياسات، خاصة في القطاعات التي يُطلب فيها من الموظفين العمل لساعات طويلة، مثل الرعاية الصحية.

ويشدد تشوي في تصريحه على أن "هذه النتائج تسلط الضوء على أهمية اعتبار الإرهاق المهني مشكلة صحية ينبغي التصدي لها، وتشجع على وضع سياسات تحد من ساعات العمل المفرطة، وتراعي الصحة النفسية والعصبية للعاملين".

Read Entire Article