ARTICLE AD BOX
في خطوة تعكس رؤية استراتيجية طموحة لتعزيز حضورها الاقتصادي والمالي إقليمياً ودولياً، انضمت الجزائر رسمياً إلى بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة "بريكس".
ويشكل هذا الانضمام محطة مفصلية في مسار التحول الاقتصادي الوطني، إذ يفتح المجال أمام الجزائر لتنويع مصادر تمويلها، والاندماج الفاعل في نظام مالي عالمي متعدد الأقطاب، بعيداً عن الاعتماد التقليدي على المؤسسات الغربية.
كما يعزز من فرص التنمية المستدامة، ويكرس موقع الجزائر كشريك اقتصادي محوري قادر على بناء تحالفات دولية جديدة تخدم طموحات الدولة التنموية.
مكانة دولية
وقد سلمت الجزائر رسمياً وثيقة انضمامها إلى البنك، بمساهمة قدرها 1.5 مليار دولار، وهو مؤسسة إنمائية أُنشئت من قبل دول مجموعة "بريكس" لتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة، ويعد هذا الانضمام اعترافاً بدور الجزائر الاقتصادي الحيوي في منطقة شمال إفريقيا، ويعزز من حضورها على الساحة المالية العالمية.
ووصفت رئيسة البنك، ديلما روسيف، بحسب المكتب الصحفي للبنك، هذه الخطوة بأنها تعكس الأهمية المتزايدة للجزائر في المشهدين الإقليمي والدولي، مؤكدة استعداد البنك للتعاون مع الجزائر في تمويل مشروعات استراتيجية تساهم في تحسين الحياة وتحقيق التقدم الاقتصادي.
وبانضمامها، تصبح الجزائر الدولة الثالثة عربياً بعد الإمارات ومصر المنضمة إلى هذا الكيان المالي، مما يوسع من خياراتها التمويلية ويعزز جهودها للتحول نحو اقتصاد متنوع قائم على الإنتاج والاستثمار.
آفاق استراتيجية وتمويلية
هذا ويرى خبراء اقتصاديون في تصريحات لـ"النهار" أن هذا الانضمام يمثل فرصة ثمينة للجزائر للاستفادة من آليات تمويل مرنة، حيث يتيح البنك لأعضائه الحصول على قروض تصل إلى ثلاثة أضعاف قيمة ودائعهم، ما يمنح الجزائر قدرة أكبر على تمويل مشاريع تنموية كبرى خارج الأطر التقليدية.
ويأتي ذلك في وقت تعمل فيه البلاد على تقليص اعتمادها على المحروقات، وتوسيع قاعدة صادراتها نحو أسواق جديدة غير تقليدية، بالتوازي مع تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دول الجنوب ودول ناشئة صاعدة.
أهمية استراتيجية
وتأكيداً على ذلك، يؤكد أبوبكر الديب، مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث، في تصريح خاص لـ"النهار"، أن هذا الانضمام يعبر عن تحول استراتيجي مهم في السياسة الاقتصادية الجزائرية، ويعكس سعي البلاد لتوسيع هامش المرونة في تمويل المشاريع التنموية الكبرى دون الخضوع لشروط قاسية أو تدخلات خارجية.
ويضيف أن الجزائر تستهدف من خلال هذا الانخراط تعزيز سيادتها الاقتصادية، وبناء شراكات متوازنة مع قوى اقتصادية صاعدة مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، مما يفتح لها آفاقاً واسعة للحصول على التمويل والدعم الفني والتقني، ويعزز مكانتها في المحيطين الإقليمي والدولي.
ويعكس هذا الانضمام بالنسبة للجزائر تحولاً شاملاً في فلسفة إدارة الاقتصاد، حيث تستهدف بناء نموذج اقتصادي جديد قائم على التنوع والاستقلالية والانفتاح على التكتلات الناشئة، بما يدعم موقع البلاد كجسر استراتيجي بين إفريقيا، الشرق الأوسط، وآسيا، ويمنحها فرصاً أوسع للتعاون مع أسواق جديدة وشراكات تنموية عادلة.
بدائل تمويلية متنوعة
هذا ويتيح بنك التنمية الجديد الذي تأسس ضمن قمة مجموعة "بريكس" في فورتاليزا بالبرازيل، فرص تنموية متنوعة عبر دوره كذراع مالي يدعم تمويل مشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول المجموعة والدول النامية.
كما يوفر بدائل تمويلية متنوعة بعيداً عن المراكز المالية التقليدية، مع التركيز على مشاريع استراتيجية في مجالات الطاقة، النقل، والرقمنة، بما يعزز النمو المستدام ويوفر للدول الأعضاء بدائل تمويلية أكثر مرونة وعدالة، تعزز جهودها نحو نمو شامل ومتوازن.
فرص واعدة
ويتفق الخبير والمحلل المالي والاقتصادي وضاح الطه، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، على أهمية الخطوة التي تمثلت في تعاون بنك التنمية الجديد مع الجزائر، لما لها من دلالات اقتصادية بالغة، نظرًا لما تمثله الجزائر من فرص واعدة، لا سيما في قطاع الغاز.
ويضيف أن الجزائر تمتلك مقومات قوية تجعلها في طليعة الدول المرشحة للتعاون الاستراتيجي مع البنك، مشددًا على أهمية الاستثمار في زيادة إنتاج الغاز وتوسيع شبكات نقله، خاصة عبر مد خطوط أنابيب تحت البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، في ظل تراجع الإمدادات الروسية.
ويشير إلى أن الموقع الاستراتيجي للجزائر، إلى جانب الطلب العالمي المتزايد على الغاز باعتباره مصدراً أقل تلويثاً للبيئة، يعززان من جدوى هذا التوجه.
ويوضح أن البنك يسعى إلى ضم دول مؤثرة مثل الجزائر ضمن منظومته، في إطار تعزيز تحالف اقتصادي استراتيجي، خصوصاً أن الدول المؤسسة للبنك تنتمي لتكتل البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، ما يعكس سعياً ممنهجاً لبناء شبكة من الشراكات التنموية والتحالفات الاقتصادية من خلال تمويل مشاريع البنية التحتية في الدول الأعضاء والمستهدفة.