فسيفساء إيران... ترميم رئاسي لعلاقة المركز بالأطراف

15 hours ago 3
ARTICLE AD BOX

للمرة الأولى في تاريخ إيران، أقدمت حكومة الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان على ضم مكونات مناطقية وعرقية ومذهبية متنوعة ودمجتها داخل هياكل السلطة التنفيذية، غير أن تحديات لا تزال تواجه ترميم علاقة المركز بالأطراف.

- يصف السياسي الإيراني حسين قاسمي، الحاكم السابق لمدينة شيراز، مركز محافظة فارس، جنوبي البلاد، ضم حكومة الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان مكونات متنوعة عرقيا ومناطقيا ومذهبيا بـ"الرسالة المهمة" من أجل تعزيز الروح الوطنية، تقليلا للمخاوف والعتاب بين عناصر الأمة، لكن الأمر لن يكتمل دون "تغيير رؤية السلطات الأمنية والاستخباراتية المستقرة في هذه المناطق لتتخلص من منطلقاتها الأمنية والعدائية والتنافسية".

وللمرة الأولى منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، أقدمت الحكومة في أغسطس/ آب الماضي، على تعيينات عالية المستوى من المكونين السني والعربي لرؤساء ثلاث محافظات: كردستان وسيستان وبلوشستان وخوزستان (العربية)، بحسب ما ذكره وزير الداخلية إسكندر مؤمني في 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لنادي "المراسلين الشباب" التابع للتلفزيون الرسمي.

إلى جانب تلك التعيينات، ضم الرئيس بزشكيان للمرة الأولى أيضا شخصية سنية بارزة لفريقه الحكومي، إذ عيّن في 26 أغسطس الماضي، البرلماني عبد الكريم حسين زادة نائبا للرئيس لشؤون تنمية القرى والمناطق الفقيرة، إلا أن التعيينات لم تشمل بعد اختيار وزير أو وزراء من بين تلك المكونات، والتي طالب بها الرئيس بزشكيان قيادات مناطقية بارزة خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما أسفر عن حصوله على 67.6% من الأصوات في محافظة سيستان وبلوشستان و78.84% في محافظة كردستان.

 

ترميم الفجوات

يعيد مستشار صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية أحمد زيدأبادي اهتمام الرئيس بزشكيان بموضوع الأقليات العرقية والمذهبية إلى كونه "تركياً كردياً" (ينتمي إلى القومية التركية، لكنه تربى في مدينة مهاباد الكردية)، قائلا لـ"العربي الجديد"، إنه هو الأكثر إلماما بأهمية الموضوع للفسيفساء الإيرانية المتنوعة ويسعى قدر المستطاع إلى ترميم الفجوات عبر هذه التعيينات.

شخصيات استثنائية من المكونات الإيرانية وصلت إلى مناصب كبيرة

ومن وجهة نظر الجغرافيا الاقتصادية، ترتبط تلك التفاعلات بعلاقة المركز بالهامش كما يقول الناشط علي رضا كميلي، أمين اتحاد الأمة الواحدة (مؤسسة شبابية)، لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن أحد أسباب عدم مشاركة المكونات المختلفة العرقية والدينية في السلطة يرجع إلى بعدهم الجغرافي عن المركز (العاصمة)، مشيرا إلى أن "هذا العامل له جذور تاريخية وجغرافية، ولا يقتصر فقط على ما بعد الثورة الإسلامية"، ويضيف أن أفراد المكون السني مثلا يعيشون في مناطق حدودية، لذا تواصلهم مع مراكز القوة والنفوذ "ضعيف منذ القدم"، وهو ما ترك مع مرور الوقت تأثيره على مشاركتهم في السلطة التي استقرت بعيدا عن الهامش، "وتحول إلى عقبة، إلى جانب ظهور سلوكيات فردية طائفية ومثيرة للحساسية وتبعات اقتصادية على أهالي تلك المناطق". وبذلك أصبحت "التنمية الاقتصادية هي المطلب الرئيس لسكان تلك المحافظات والمناطق المهمشة التي تحتاج إلى مشاريع عمرانية واقتصادية لإنهاء الفقر والمحرومية، وهي خطوات "تأخذ وقتا وليست سريعة كالتعيينات".

وتتصدر محافظة سيستان وبلوشستان المحافظات الإيرانية الـ31 في نسبة الفقر بمعدل 30% من سكانها، خاصة أنها الأولى أيضاً في عدد العاطلين بنسبة 14% من إجمالي سكانها البالغ 3 ملايين و266 ألف شخص، وتليها محافظة خوزستان بـ13.1%، بينما تبلغ النسبة في محافظة كردستان 7.6%، وفق بيانات حكومية نشرتها وكالة إيسنا للأنباء التابعة لمنظمة الجهاد الجامعي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

 

تطبيق الدستور

دعم الناشط والبرلماني الإيراني السابق جلال جلالي زادة الرئيس مسعود بزشكيان في حملته الانتخابية الناجحة، ومع ذلك يبدو متشائما تجاه هذه التعيينات، قائلا لـ"العربي الجديد" إنها لا تكفي في مواجهة مطالب متراكمة منذ 45 عاما وليست فقط مطالب على مستوى السلطة التنفيذية، بل يحتاج الأمر للنزول إلى بقية مؤسسات الدولة، مضيفا أن المشاكل التي تواجهها المكونات الإيرانية تتمثل في عدم تنفيذ الدستور والنظرة الأمنية.

وتنص المادة 20 من الدستور على أن "حماية القانون تشمل جميع أفراد الشعب ـ نساء ورجالا ـ بصورة متساوية؛ ويتمتعون بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضمن الموازين الإسلامية"، وتطبيقها فعليا ينهي أي شعور بالتمييز، يقول جلالي زادة في حديثه مع "العربي الجديد"، رابطا تحقيق الوفاق والتناغم المجتمعي بـ"تفعيل الديمقراطية وعدم التعامل مع أي مكون باعتباره من الدرجة الثانية وأن يشعر أي مواطن أن بإمكانه أن يصبح رئيسا".

ويتفق البرلماني السابق معروف صمدي جزئيا مع الرأي السابق، فيرى أن التعيينات "جيدة وإيجابية"، لكنها غير كافية ولا تعوض عما فات، مشيرا في إفادته لـ"العربي الجديد"، إلى أن الخطوة "جاءت متأخرة زمنيا، وإن كانت حكومة الرئيس بزشكيان أنجزتها فور تشكيلها"، مضيفا: "الشعب يريد المساواة والعدالة وتوزيع السلطة والثروة وحرية تداول المعلومات وإنهاء التمييز"، وعلى هياكل الدولة والسلطة استيعاب تلك النقاط، من أجل تحصين الجبهة الداخلية.

استثناء عربي

بلغ عدد سكان إيران 85.9 مليون نسمة، بحسب بيانات مركز الإحصاء الحكومي المنشورة في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، ويوضح زيدأبادي أن أهم المكونات العرقية في إيران هي الأتراك والأكراد والبلوش والعرب والتركمان، ويشتمل التعداد السكاني الحكومي في أغلب الحالات ضمن قائمة أسئلته على بيان حول الهوية المذهبية، إلا أن النتائج المعلنة لا تتضمن عدد كل طائفة وقومية، كما يوضح عضو المجلس المركزي السابق لجماعة الدعوة والإصلاح الإيرانية لقمان ستودة، لـ"العربي الجديد".

وتشير تقديرات شبه رسمية إلى أن عدد العرب في إيران يزيد على مليونين و200 ألف مواطن، يتوزع معظمهم في محافظات خوزستان وإيلام، جنوب غربي إيران، وهرمزغان وبوشهر الواقعتين جنوب البلاد، وعلى الجهة الشرقية من الخليج، بحسب إفادة الناشط العربي عدنان زماني، لـ"العربي الجديد".

غياب المكونات المتعددة عن السلطة ساهم في تهميش اقتصادي لمناطقها

من بين أفراد المكون العربي وصلت شخصيات إلى مناصب عليا، مثل الأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، خلال الفترة بين (2013 و2023)، كما يقول زيدأبادي، لكن باحث الدكتوراه الإيراني في جامعة سايمون فريزر الكندية المختص في العلوم السياسية سعيد خنافرة يقول لـ"العربي الجديد"، إن علي شمخاني يمثل حالة استثناء، فقد حظي بثقة النظام منذ اللحظة الأولى للثورة، وينقل عن كتاب للقائد العسكري الإيراني محمد علي جهان آرا أن شمخاني بدأ مشواره السياسي باغتيال عنصر من جهاز السافاك (استخبارات العهد الملكي في إيران) في مدينة عبادان بمحافظة خوزستان، جنوب غربي إيران. وبعد الثورة دافع شمخاني عن النظام عند كل المنعطفات المهمة بوصفه قائدا عسكريا، مضيفا أن "صعود نجم شمخاني السياسي لم ينعكس إيجابا على المكون العربي في إيران، فما زالت دوائر القرار في طهران لديها حساسياتها"، معلقا على تعيين محافظ عربي لخوزستان بالقول إن "هذه السياسة الإيرانية انعكاس لتنامي الوعي الهوياتي لدى القوميات غير الفارسية بفعل الإعلام والسوشال ميديا وكذلك توجس النظام من إمكانية تحولها إلى صداع سياسي يضاف إلى أزمات البلاد. بالتالي سعت الحكومة إلى تنفيس الاحتقان لدى العرب واستمالتهم".

 

جسور للمصالحة وتحسين العلاقة

خلال لقاء جمع الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، في 31 أغسطس 2023، مع علماء دين، أكد أن 1700 مدير من المكون السني يعملون في مختلف الأجهزة التنفيذية التابعة للحكومة. إلى ما سبق يضيف الحاكم السابق لمدينة شيراز أن الحكومات الإيرانية التي أعقبت الثورة أجرت تعيينات من المكونات العرقية والمذهبية على مستويات أخرى، مثل مدراء عامين للمؤسسات الحكومية في المحافظات، وحكام المدن ونواب رؤساء المحافظات ورؤساء البلديات، فضلا عن وجود نواب سنة وعرب في البرلمان الإيراني، إذ يوجد حاليا 22 نائبا سنيا في مجلس الشورى البالغ عدد مقاعده 290، وأيضاً تسعة نواب عرب في البرلمان.

ويضرب المسؤول الإيراني السابق، في حديثه مع "العربي الجديد"، مثالين، قائلا إن رئيس محافظة سيستان وبلوشستان الحالي منصور بيجار سبق أن تقلد مناصب عدة، أهمها نائب المحافظ السابق، والمدير العام للمكتب التقني بالمحافظة، بالإضافة إلى أن محافظ كردستان برهان لهوني أيضا تصدى لمناصب أخرى مثل نائب رئيس المحافظة السابق لتنمية الإدارة والموارد البشرية والمدير العام لجمعية الهلال الأحمر بالمحافظة، كما عينت الحكومة الحالية أيضا لأول مرة امرأة سنية، هي فروغ هاشمي، حاكمة لمدينة أوز في محافظة فارس، فضلا عن تعيين حاكم سني، هو إيرج شاهي، لأول مرة لمدينة رضوان شهر في محافظة جيلان.

بالتالي ساهمت هذه التعيينات في مد جسور "المصالحة وتحسين العلاقة" مع أبرز زعامات السنة في إيران المولوي عبد الحميد إسماعيل زهي، وهو خطيب الجمعة في مدينة زاهدان، مركز محافظة سيستان وبلوشستان، بعدما تأزمت خلال احتجاجات أواخر 2022 على خلفية الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني بتهمة عدم التقيد بقواعد الحجاب، وهو ما يراه زيدأبادي، نسبيا، فالحساسية تجاه المعتقدات المذهبية أكثر منها ناحية الانتماءات القومية، لكن يبقى أن مواجهتها والتحرك باتجاه غلق الملف يرمم علاقات المكونات الإيرانية بعضها ببعض ويغلق أي ثغرة قد يستغلها أعداء البلاد.

Read Entire Article